Courtesy of:
Sura Nualpradid - freedigitalphotos.net
إذا كان هناك صديق لك ذهب للعلاج بالخارج , او قريب لك يعيش في احدي الدول العربية ودفعته الظروف الى اجراء عملية جراحية أو فحص أشعة أو منظار أو أي إجراء تدخلي, فإنه سيخبرك أنه قد اضطر الى توقيع اقرار بالموافقة على الاجراء المذكور , وان الطبيب لم يكن ليقوم باجراء العملية لو لم يوقع هذا الاقرار. فما هو هذا الاقرار؟ وما هي شروطه لكي يصبح مستندا يعتد به قانونا؟
من الطبيعى أن المريض عندما يطلب العلاج من الطبيب فإنه يذهب اليه بمحض اختياره. ومع ذلك فإن اسلوب العلاج المتاح قد يختلف من مكان الى مكان. وإذا كان أسلوب العلاج ينطوى على اي نوع من أنواع التدخل داخل الجسم, ولكي يقوم الطبيب بتقديم الخدمة العلاجية الى المريض, فإنه يحتاج الى ان يشرح للمريض عدة أمور نلخصها كما يلى:
طبيعة المرض والمضاعفات المنتظرة إذا لم يجر المريض العملية. فأحيانا يكون المرض محدود وليس له مضاعفات خطيرة مثل بعض الاورام الحميدة مثلا. ترك المرض بدون علاج قد لا يمثل خطرا على المريض , بالتالى قد يفضل المريض عدم خوض العملية خوفا من مضاعفات العملية فى حد ذاتها
الخطورة المصاحبة للاجراء الجراحي. فهناك عمليات جراحية نسبة نجاحها تتعدي الـ٩٠٪ وأكثر, بينما هناك عمليات خطيرة. القرار هنا يجب ان يراعى التوازن بين هذه النقطة والنقطة السابقة, فالمريض قد يفضل خوض عملية رغم أن نسبة نجاحها لا تتعدي ٥٠٪ لان مضاعفات المرض مؤكدة واكثر خطورة
هل هناك بدائل؟ وما هي كفاءتها ونسبة نجاحها؟ على سبيل المثال هناك بعض الامراض التى تعالج بالأدوية مدي الحياة , أو يمكن اجراء جراحة لمرة واحدة بعدها يعيش المريض حياة طبيعية. هنا يجب على الطبيب ان يشرح للمريض الوضع بالتفصيل ويترك له الخيار.
تفاصيل الاجراء الجراحي وهذه تشمل كيفية التحضير للعملية ونوع التخدير (كلى او موضعى أو نصفى) , وشرح مبسط لخطوات العملية. على الطبيب أيضا أن يبين للمريض مدة الاقامة فى المستشفى وتعليمات فترة النقاهة وما بعدها , وهل هناك علاج بالادوية بعدها ؟
من سيقوم بالجراحة؟ ومن سيتابع حالة المريض؟
المضاعفات المحتملة للجراحة. هذه النقطة تحديدا هي الاكثر سخونة وإثارة للجدل. فالمريض المصرى بالذات لا يحب أن يسمع كثيرا عن المضاعفات المحتملة , ويفضل الطبيب الذي يخبره ان "العملية مضمونة". مثل هذا الكلام لا محل له من الصحة والمنطق, فلا شيء على الاطلاق مضمون فى الطب وأي طبيب مهما كانت براعته لا يستطيع ان يضمن نجاح العملية إلا بقدر ما يضمن للمريض أن يبيت غدا فى بيته !!!؟ المعضلة تكمن فى سرد تفاصيل الخطورة المحتملة, وعلى سبيل المثال , فأنت عندما تقرأ النشرة الموجودة فى علبة دواء مثل الاسبرين فستجد كم من المخاطر المذكورة تجعلك تعيد النظر , وقد تقرر أن تتحمل الصداع عن أن تأخذ مخاطرة تناول قرص الاسبرين !!! ومع ذلك فالحقيقة أن أحدا لم يتوقف عن تناول الاسبرين , ولم نسمع عن حوادث الاسبرين !! ؟ هذا السرد لكل المخاطر بصرف النظر عن نسبة واحتمال حدوثها , هو أمر ضروري من الناحية القانونية درءا لأى مسئولية على الشركة المنتجة للدواء بالمثل ومن هذا المنطلق يمكن فهم لماذا يحتوى الاقرار بالموافقة على اجراء فحص (أشعة بالصبغة مثلا) على مضاعفات عديدة تبدأ من الحساسية وحكة الجلد وتتطور الى صدمة وفقدان الحواس والفشل الكلوي وتنتهى بالوفاة !!!!!! ؟ هذه المضاعفات -من الناحية القانونية- يجب ان تكون مذكورة فى الاقرار ,رغم أن ذلك قد يسبب الذعر لدى المريض عند قراءته لها, وقد يتراجع عن استكمال العلاج. من هنا كان لزاما أن يفهم المريض -وأهله- الأبعاد الحقيقية للموضوع, فعلى الرغم من أن بعض هذه الفحوص تجرى يوميا ألاف المرات , وإن المضاعفات -الخطيرة- قد لا تحدث الا فى حالة واحدة من كل عشرة ألاف مريض يجرون هذا الفحص, فإن هذه النسبة يجب أن تذكر للمريض بوضوح في نفس الوقت الذي يتم تذكيره بالمخاطر التى سيتعرض لها اذا لم يقم باجراء الفحص او العملية, حتي يمكنه اتخاذ قراره على بينة
.إقرار بأن الطبيب قد أجاب على كل أسئلة المريض إجابة نافية للجهالة
ماهي فائدة الإقرار؟ يعتبر الإقرار بمثابة مستند قانونى الهدف منه حماية كل من الطرفين: فالمريض يضمن أن الطبيب لن يجرى له أي عملية أو فحص دون علمه بكل المعلومات اللازمة والنتائج المترتبة, بينما يضمن للطبيب أن المريض لن يتجنى عليه في حالة ما إذا فشلت العملية لا قدر الله
من يوقع على الاقرار الأصل أن المريض هو الذي يوقع على الاقرار بالموافقة على اجراء الفحص او العملية. ومع ذلك فيمكن فى حالات معينة أن يقوم أقارب المريض بالتوقيع نيابة عنه: على سبيل المثال
الأطفال يقوم ذووهم بالتوقيع
إذا كانت حالة المريض تمنعه من تفهم وضعه الصحى, مثل المريض فاقد الوعي
إذا رأى أهل المريض عدم ابلاغه بحقيقة حالته الصحية لأن ذلك قد يؤثر سلبيا عليه
بعض الدول تشترط توقيع الزوجين على العمليات التى تختص بالجنين , مثل الاجهاض
في حالات استثنائية قد لا يمكن اخذ إقرار بالموافقة كما فى حالات الحوادث الطارئة , حيث يصل المريض الى المستشفى فى حالة حرجة ولا يوجد معه مرافق. في هذه الحالة فإن الطبيب يكتب اقرارا بأن الحالة لاتحتمل الانتظار لحين موافقة الاهل , ويوقع معه على الاقرار طبيب أخر
في كل الأحوال يجب أن يوقع الطبيب المعالج (الجراح مثلا) على الإقرار بعد أن يوقع المريض, ثم يتبعه اثنان من الشهود, فى أغلب الأحيان يكونان من هيئة التمريض. ويجب على المريض أن يوقع باسمه كاملا, مع تسجيل تاريخ التوقيع
كيف تختار طبيبك
لعل هذه المشكلة هي أحد أهم وأخطر مشاكل الطب في مصر وربما أيضا العالم العربي, فقد يشعر إنسان ما بألم في ساقه مثلا فيذهب لاستشارة طبيب العظام لأنه يشعر الألم فى العظام , بينما المشكلة قد تكون في الأوعية الدموية أو الأعصاب أو خلافه تتفاقم المشكلة عند الذهاب الى طبيب متخصص في أحد فروع الطب, الذي يكون ذهنه -بحكم العادة والتخصص- موجها لتشخيصات معينة , خصوصا وأن كثيرا من الأمراض تتشابه فى أعراضها, فيبدأ فى فرض أسلوب علاج غير مناسب
هذه المشكلة تمكنت كثير من الدول المتقدمة من تلافيها من خلال فكرة طبيب العائلة, الذي يكون فى الحقيقة ممارس عام يستطيع علاج العديد من الأمراض الشائعة مباشرة , وفي نفس الوقت عنده من الخبرة ما يجعله يميز طبيعة الأعراض المرضية , ومن ثم يوجه المريض إلى الطبيب المناسب في التخصص الصحيح إذا كانت الحالة خارجة عن نطاق إمكانياته
نحتاج في مصر إلى دعم هذا التخصص الذي أصبح نادرا, ربما لأن العائد المادي للممارس العام يكون اقل بدرجة ملحوظة من المتخصصين. في نفس الوقت يجب على المريض أن يحسن عرض مشكلته من خلال تحديد الاعراض بدقة ومتى بدأت وكيف تطورت فهذا قد يساعد الطبيب على تحديد المشكلة وربما قد يعيد توجيه المريض إلى الطبيب المتخصص
أخطــاء الأطبـــاء
موضوع أخطاء الأطباء هو أحد المواضيع الشائكة والساخنة, ولعل ذلك يرجع إلى عوامل نفسية في المقام الاول. فالانسان العادي والبسيط على استعداد لتقبل فكرة أن يخطئ المهندس أو المحامي أو الكهربائي أو الميكانيكي , ولكنه ليس مستعدا أن يتقبل فكرة أن الطبيب قد أخطأ, فمهنة الطب تحديدا هي أقدس مهنة امتهنها الانسان, (ذكر الإمام الشافعي رحمه الله أنه لو كان مشتغلا بغير علوم الدين لاختار الطب) , وبالتالى فإن الخطأ ممنوع .. والزعل غير مرفوع
ومن المفارقات أن خطأ الطبيب -في أسوأ الأحوال- سوف يودي بصحة وحياة مريض واحد, بينما خطأ المهندس مثلا قد يودي بحياة سكان عمارة كاملة, وخطأ المحامي قد يودي بحياة وعمر عدد من المتهمين وأسرهم, بينما قد يذهب خطأ الميكانيكي بحياة ركاب سيارة أو حافلة, ولكن يبقى فى النهاية أن المحاسبة تكون بقَدْر المهنة كما أنها تكون على حجم الخطأ, ولعل هذا هو قَدَر الطبيب
يمكننا أن نقسم أخطاء الأطباء إلى أربعة أقسام أو فئات تبعا لمسبباتها: الإهمال - الجهل - الخطأ أو السهو - الرأي
Courtesy of stockimages - freedigitalphotos.net الإهمال الإهمال سمة من سمات الشخصية, فالإنسان المهمل يكون مهملا فى جوانب عديدة من حياته وينعكس ذلك على عمله. فقد تجد طبيبا يتهاون في تعقيم يديه جيدا أو يتقاعس عن إعطاء دواء لمريض فى وقته , مما يتسبب فى مضاعفات طبية ... هذا إهمال. وقد يكون الإهمال جسيما كأن ينشغل الطبيب عن مريضه بأمر ليس ضرورة (نزهة أو تسلية مثلا) في حالة طارئة. ومن البديهى أن الإهمال هو أسوأ ما يمكن أن يلحق بسمعة الانسان , وللحق فإن هذا الأمر ليس منتشرا وإن كان يحدث فى بعض الأحيان
الجهل ويقصد به هنا أن يكون الطبيب دون المستوى العلمى والمهارى والتدريبى الذي يؤهله لأداء وظيفته, وتلك مشكلة أكثر انتشارا فى مصر خاصة فى المناطق النائية . ومن وجهة نظر معينة فإن الذنب هنا ليس ذنب الطبيب بالكامل , فجزء معتبر من الذنب يقع على عاتق الدولة التى يجب عليها أن توفر للطبيب فرصة التعلم والتدريب كما يجب. وعلى الرغم من أن جهودا حقيقية بذلت خلال السنوات الأخيرة فى وزارة الصحة لرفع مستوى الأطباء , إلا ان المطلوب ما زال أكثر, ففرص التدريب الجيد المتاحة فى الجامعات محدودة وتكون فى المقام الأول لأبناء تلك الجامعات, كما أن البعثات الخارجية من قبل وزارة الصحة تعتبر قليلة جدا إذا ما قورنت بعدد الأطباء العاملين فى الوزارة وهيئاتها
الخطأ الطبيب شأنه شأن كل البشر قد يخطئ أحيانا خطأ غير مقصود. فعلى سبيل المثال, فإن الجراح أثناء اجراء جراحة ما, قد تخطئ أصابعه فتصيب أحد الاوعية الدموية أو الاعضاء بغير قصد , ويفاجأ المريض بعد الإفاقة انه قد خرج من العملية بعلة جديدة لم تكن فى الحسبان. وعلى الرغم من أن الخبرة والتدريب الطويل يؤديان الى انخفاض معدل مثل هذه الاخطاء, إلا أنها تبقى فى النهاية خطأ غير مقصود , وسمة من سمات البشر قد تحدث مع أفضل الأيادي. هذا النوع من الأخطاء مسئولية الطبيب دون شك, ولكنه هنا يعتبر خطأ أقل درجة من الخطأ نتيجة الإهمال ,ويجب ان يوضع ذلك -ضمن عوامل اخرى- فى الاعتبار عند محاسبة الطبيب وتقدير العقوبة
الرأي هذا النوع هو الأكثر انتشارا وإثارة للأقاويل فى أوساط المرضى, وهو ليس خطأً بالمعنى الحرفي ولكنه يثير نفس اللغط , ولنأخذ مثالا يوضح الصورة. لنفرض أن السيد (س) قد ذهب الى الطبيب المتخصص فى امراض الصدر يشكو من نزلة شعبية , وبعد الكشف قرر له الطبيب مضادا حيويا (أ) لمدة أسبوع. ولكن المريض حالته ساءت فقرر استشارة طبيبا آخر وعرض عليه ما تم مع الطبيب الاول, فإذا بالطبيب الثاني يطالبه بوقف المضاد (أ) واستبداله بمضاد حيوي أخر (ب), وبعد عدة أيام تتحسن حالة المريض, فيبدأ فى التذمر من الطبيب الاول الجاهل, وكيف أنه لم يستطع أن يعرف التشخيص , بينما الطبيب الثانى العلامة قد نجح فى ذلك !!!؟ الحقيقة أن الخطأ هنا هو خطأ المريض ..وما حدث هو أن الطبيب الثانى قد استفاد من تجربة الطبيب الاول وعلم أن المضاد (أ) لم ينجح فقرر استبداله بمضاد اقوى (ب), ولو فرضنا أن المريض ذهب فى البداية الى الطبيب الثاني لربما كان قد وصف له نفس المضاد (أ), طبقا لما هو مكتوب فى كتب الطب هذا النوع من التفكير يتكرر كثيرا , وربما ساعد عليه بعض الاطباء فى محاولة لكسب ثقة المريض من خلال الطعن فى كفاءة طبيب زميل له, وهي خصلة غير حميدة, ولكنها موجودة لدى عدد من الاطباء
هذا التقسيم المبسط والبدائي للأخطاء الطبية هو مجرد مدخل, فالحقيقة أن المسئولية الطبية أكثر تعقيدا بعوامل اخرى مثل التجهيزات الطبية المتاحة وأعطال الأجهزة وكفاءة الخدمات المساعدة من تحاليل وأشعات وتمريض وفنيين, وهي مسئوليات تتداخل فيها جهات متعددة.
ما هو العلاج الناجع للحد من الاخطاء الطبية؟ بدون الدخول فى أبحاث ونظريات , فإن نظرة الى دول العالم المتقدم وكيف تغلبت على مثل هذه المشاكل, تهدي إلينا الكثير من الحلول, وهي تتلخص فيما يلى
١. تدريب الاطباء طبقا للمستويات العالمية ... وهذا يحتاج إلى أموال وجهد طويل المدى
٢. رفع مرتبات الأطباء حتى يتسنى للطبيب أن يركز فى مكان عمله بدلا من البحث عن فرصة عمل إضافي يشغله عن مرضاه فى مكانه الاصلي
٣. توفير الخدمات المساعدة التى سبق ذكرها ... وهذا يحتاج إلى المال والتدريب الكفء
٤. توفير الأجهزة والمعدات اللازمة لتقديم الخدمة للمرضى طبقا للمواصفات القياسية العالمية
٥. توفير آلية فاعلة ونافذة لمتابعة الأطباء ومعاقبة المخطئ ومكافأة المجتهد, فهذا يشعر الطبيب ان وراءه رقابة وحساب ان أخطأ, مما يدعوه الى الحرص والاتقان ومحاولة تقديم افضل ما عنده
٦. التأمين ضد أخطاء المهنة. هذه النقطة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنقطة السابقة, فمما لا شك فيه أن توفير الأمان للطبيب يساعده في مهمته لتقديم أفضل خدمة ممكنة للمريض. وعلى سبيل المثال فإن الطبيب قد يحجم عن إجراء جراحة للمريض إذا ما شعر أن هناك عقوبة ما قد توقع عليه ان أخطأ. التأمين يساعد الطبيب على اتخاذ قرارات طبية بناء على معطيات طبية بحت , دون الدخول فى حسابات اقتصادية, مما يساعد على اتخاذ القرار الذي يصب فى مصلحة المريض