موضوع أخطاء الأطباء هو أحد المواضيع الشائكة والساخنة, ولعل ذلك يرجع إلى عوامل نفسية في المقام الاول. فالانسان العادي والبسيط على استعداد لتقبل فكرة أن يخطئ المهندس أو المحامي أو الكهربائي أو الميكانيكي , ولكنه ليس مستعدا أن يتقبل فكرة أن الطبيب قد أخطأ, فمهنة الطب تحديدا هي أقدس مهنة امتهنها الانسان, (ذكر الإمام الشافعي رحمه الله أنه لو كان مشتغلا بغير علوم الدين لاختار الطب) , وبالتالى فإن الخطأ ممنوع .. والزعل غير مرفوع
ومن المفارقات أن خطأ الطبيب -في أسوأ الأحوال- سوف يودي بصحة وحياة مريض واحد, بينما خطأ المهندس مثلا قد يودي بحياة سكان عمارة كاملة, وخطأ المحامي قد يودي بحياة وعمر عدد من المتهمين وأسرهم, بينما قد يذهب خطأ الميكانيكي بحياة ركاب سيارة أو حافلة, ولكن يبقى فى النهاية أن المحاسبة تكون بقَدْر المهنة كما أنها تكون على حجم الخطأ, ولعل هذا هو قَدَر الطبيب
يمكننا أن نقسم أخطاء الأطباء إلى أربعة أقسام أو فئات تبعا لمسبباتها: الإهمال - الجهل - الخطأ أو السهو - الرأي
الإهمال
الإهمال سمة من سمات الشخصية, فالإنسان المهمل يكون مهملا فى جوانب عديدة من حياته وينعكس ذلك على عمله. فقد تجد طبيبا يتهاون في تعقيم يديه جيدا أو يتقاعس عن إعطاء دواء لمريض فى وقته , مما يتسبب فى مضاعفات طبية ... هذا إهمال. وقد يكون الإهمال جسيما كأن ينشغل الطبيب عن مريضه بأمر ليس ضرورة (نزهة أو تسلية مثلا) في حالة طارئة. ومن البديهى أن الإهمال هو أسوأ ما يمكن أن يلحق بسمعة الانسان , وللحق فإن هذا الأمر ليس منتشرا وإن كان يحدث فى بعض الأحيان
الجهل
ويقصد به هنا أن يكون الطبيب دون المستوى العلمى والمهارى والتدريبى الذي يؤهله لأداء وظيفته, وتلك مشكلة أكثر انتشارا فى مصر خاصة فى المناطق النائية . ومن وجهة نظر معينة فإن الذنب هنا ليس ذنب الطبيب بالكامل , فجزء معتبر من الذنب يقع على عاتق الدولة التى يجب عليها أن توفر للطبيب فرصة التعلم والتدريب كما يجب. وعلى الرغم من أن جهودا حقيقية بذلت خلال السنوات الأخيرة فى وزارة الصحة لرفع مستوى الأطباء , إلا ان المطلوب ما زال أكثر, ففرص التدريب الجيد المتاحة فى الجامعات محدودة وتكون فى المقام الأول لأبناء تلك الجامعات, كما أن البعثات الخارجية من قبل وزارة الصحة تعتبر قليلة جدا إذا ما قورنت بعدد الأطباء العاملين فى الوزارة وهيئاتها
الخطأ
الطبيب شأنه شأن كل البشر قد يخطئ أحيانا خطأ غير مقصود. فعلى سبيل المثال, فإن الجراح أثناء اجراء جراحة ما, قد تخطئ أصابعه فتصيب أحد الاوعية الدموية أو الاعضاء بغير قصد , ويفاجأ المريض بعد الإفاقة انه قد خرج من العملية بعلة جديدة لم تكن فى الحسبان. وعلى الرغم من أن الخبرة والتدريب الطويل يؤديان الى انخفاض معدل مثل هذه الاخطاء, إلا أنها تبقى فى النهاية خطأ غير مقصود , وسمة من سمات البشر قد تحدث مع أفضل الأيادي. هذا النوع من الأخطاء مسئولية الطبيب دون شك, ولكنه هنا يعتبر خطأ أقل درجة من الخطأ نتيجة الإهمال ,ويجب ان يوضع ذلك -ضمن عوامل اخرى- فى الاعتبار عند محاسبة الطبيب وتقدير العقوبة
الرأي
هذا النوع هو الأكثر انتشارا وإثارة للأقاويل فى أوساط المرضى, وهو ليس خطأً بالمعنى الحرفي ولكنه يثير نفس اللغط , ولنأخذ مثالا يوضح الصورة:؟
لنفرض أن السيد (س) قد ذهب الى الطبيب المتخصص فى امراض الصدر يشكو من نزلة شعبية , وبعد الكشف قرر له الطبيب مضادا حيويا (أ) لمدة أسبوع. ولكن المريض حالته ساءت فقرر استشارة طبيبا آخر وعرض عليه ما تم مع الطبيب الاول, فإذا بالطبيب الثاني يطالبه بوقف المضاد (أ) واستبداله بمضاد حيوي أخر (ب), وبعد عدة أيام تتحسن حالة المريض, فيبدأ فى التذمر من الطبيب الاول الجاهل, وكيف أنه لم يستطع أن يعرف التشخيص , بينما الطبيب الثانى العلامة قد نجح فى ذلك !!!؟
الحقيقة أن الخطأ هنا هو خطأ المريض ..وما حدث هو أن الطبيب الثانى قد استفاد من تجربة الطبيب الاول وعلم أن المضاد (أ) لم ينجح فقرر استبداله بمضاد اقوى (ب), ولو فرضنا أن المريض ذهب فى البداية الى الطبيب الثاني لربما كان قد وصف له نفس المضاد (أ), طبقا لما هو مكتوب فى كتب الطب
هذا النوع من التفكير يتكرر كثيرا , وربما ساعد عليه بعض الاطباء فى محاولة لكسب ثقة المريض من خلال الطعن فى كفاءة طبيب زميل له, وهي خصلة غير حميدة, ولكنها موجودة لدى عدد من الاطباء
هذا التقسيم المبسط والبدائي للأخطاء الطبية هو مجرد مدخل, فالحقيقة أن المسئولية الطبية أكثر تعقيدا بعوامل اخرى مثل التجهيزات الطبية المتاحة وأعطال الأجهزة وكفاءة الخدمات المساعدة من تحاليل وأشعات وتمريض وفنيين, وهي مسئوليات تتداخل فيها جهات متعددة.
ما هو العلاج الناجع للحد من الاخطاء الطبية؟
بدون الدخول فى أبحاث ونظريات , فإن نظرة الى دول العالم المتقدم وكيف تغلبت على مثل هذه المشاكل, تهدي إلينا الكثير من الحلول, وهي تتلخص فيما يلى
١. تدريب الاطباء طبقا للمستويات العالمية ... وهذا يحتاج إلى أموال وجهد طويل المدى
٢. رفع مرتبات الأطباء حتى يتسنى للطبيب أن يركز فى مكان عمله بدلا من البحث عن فرصة عمل إضافي يشغله عن مرضاه فى مكانه الاصلي
٣. توفير الخدمات المساعدة التى سبق ذكرها ... وهذا يحتاج إلى المال والتدريب الكفء
٤. توفير الأجهزة والمعدات اللازمة لتقديم الخدمة للمرضى طبقا للمواصفات القياسية العالمية
٥. توفير آلية فاعلة ونافذة لمتابعة الأطباء ومعاقبة المخطئ ومكافأة المجتهد, فهذا يشعر الطبيب ان وراءه رقابة وحساب ان أخطأ, مما يدعوه الى الحرص والاتقان ومحاولة تقديم افضل ما عنده
٦. التأمين ضد أخطاء المهنة. هذه النقطة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنقطة السابقة, فمما لا شك فيه أن توفير الأمان للطبيب يساعده في مهمته لتقديم أفضل خدمة ممكنة للمريض. وعلى سبيل المثال فإن الطبيب قد يحجم عن إجراء جراحة للمريض إذا ما شعر أن هناك عقوبة ما قد توقع عليه ان أخطأ. التأمين يساعد الطبيب على اتخاذ قرارات طبية بناء على معطيات طبية بحت , دون الدخول فى حسابات اقتصادية, مما يساعد على اتخاذ القرار الذي يصب فى مصلحة المريض
ومن المفارقات أن خطأ الطبيب -في أسوأ الأحوال- سوف يودي بصحة وحياة مريض واحد, بينما خطأ المهندس مثلا قد يودي بحياة سكان عمارة كاملة, وخطأ المحامي قد يودي بحياة وعمر عدد من المتهمين وأسرهم, بينما قد يذهب خطأ الميكانيكي بحياة ركاب سيارة أو حافلة, ولكن يبقى فى النهاية أن المحاسبة تكون بقَدْر المهنة كما أنها تكون على حجم الخطأ, ولعل هذا هو قَدَر الطبيب
يمكننا أن نقسم أخطاء الأطباء إلى أربعة أقسام أو فئات تبعا لمسبباتها: الإهمال - الجهل - الخطأ أو السهو - الرأي
الإهمال
الإهمال سمة من سمات الشخصية, فالإنسان المهمل يكون مهملا فى جوانب عديدة من حياته وينعكس ذلك على عمله. فقد تجد طبيبا يتهاون في تعقيم يديه جيدا أو يتقاعس عن إعطاء دواء لمريض فى وقته , مما يتسبب فى مضاعفات طبية ... هذا إهمال. وقد يكون الإهمال جسيما كأن ينشغل الطبيب عن مريضه بأمر ليس ضرورة (نزهة أو تسلية مثلا) في حالة طارئة. ومن البديهى أن الإهمال هو أسوأ ما يمكن أن يلحق بسمعة الانسان , وللحق فإن هذا الأمر ليس منتشرا وإن كان يحدث فى بعض الأحيان
الجهل
ويقصد به هنا أن يكون الطبيب دون المستوى العلمى والمهارى والتدريبى الذي يؤهله لأداء وظيفته, وتلك مشكلة أكثر انتشارا فى مصر خاصة فى المناطق النائية . ومن وجهة نظر معينة فإن الذنب هنا ليس ذنب الطبيب بالكامل , فجزء معتبر من الذنب يقع على عاتق الدولة التى يجب عليها أن توفر للطبيب فرصة التعلم والتدريب كما يجب. وعلى الرغم من أن جهودا حقيقية بذلت خلال السنوات الأخيرة فى وزارة الصحة لرفع مستوى الأطباء , إلا ان المطلوب ما زال أكثر, ففرص التدريب الجيد المتاحة فى الجامعات محدودة وتكون فى المقام الأول لأبناء تلك الجامعات, كما أن البعثات الخارجية من قبل وزارة الصحة تعتبر قليلة جدا إذا ما قورنت بعدد الأطباء العاملين فى الوزارة وهيئاتها
الخطأ
الطبيب شأنه شأن كل البشر قد يخطئ أحيانا خطأ غير مقصود. فعلى سبيل المثال, فإن الجراح أثناء اجراء جراحة ما, قد تخطئ أصابعه فتصيب أحد الاوعية الدموية أو الاعضاء بغير قصد , ويفاجأ المريض بعد الإفاقة انه قد خرج من العملية بعلة جديدة لم تكن فى الحسبان. وعلى الرغم من أن الخبرة والتدريب الطويل يؤديان الى انخفاض معدل مثل هذه الاخطاء, إلا أنها تبقى فى النهاية خطأ غير مقصود , وسمة من سمات البشر قد تحدث مع أفضل الأيادي. هذا النوع من الأخطاء مسئولية الطبيب دون شك, ولكنه هنا يعتبر خطأ أقل درجة من الخطأ نتيجة الإهمال ,ويجب ان يوضع ذلك -ضمن عوامل اخرى- فى الاعتبار عند محاسبة الطبيب وتقدير العقوبة
الرأي
هذا النوع هو الأكثر انتشارا وإثارة للأقاويل فى أوساط المرضى, وهو ليس خطأً بالمعنى الحرفي ولكنه يثير نفس اللغط , ولنأخذ مثالا يوضح الصورة:؟
لنفرض أن السيد (س) قد ذهب الى الطبيب المتخصص فى امراض الصدر يشكو من نزلة شعبية , وبعد الكشف قرر له الطبيب مضادا حيويا (أ) لمدة أسبوع. ولكن المريض حالته ساءت فقرر استشارة طبيبا آخر وعرض عليه ما تم مع الطبيب الاول, فإذا بالطبيب الثاني يطالبه بوقف المضاد (أ) واستبداله بمضاد حيوي أخر (ب), وبعد عدة أيام تتحسن حالة المريض, فيبدأ فى التذمر من الطبيب الاول الجاهل, وكيف أنه لم يستطع أن يعرف التشخيص , بينما الطبيب الثانى العلامة قد نجح فى ذلك !!!؟
الحقيقة أن الخطأ هنا هو خطأ المريض ..وما حدث هو أن الطبيب الثانى قد استفاد من تجربة الطبيب الاول وعلم أن المضاد (أ) لم ينجح فقرر استبداله بمضاد اقوى (ب), ولو فرضنا أن المريض ذهب فى البداية الى الطبيب الثاني لربما كان قد وصف له نفس المضاد (أ), طبقا لما هو مكتوب فى كتب الطب
هذا النوع من التفكير يتكرر كثيرا , وربما ساعد عليه بعض الاطباء فى محاولة لكسب ثقة المريض من خلال الطعن فى كفاءة طبيب زميل له, وهي خصلة غير حميدة, ولكنها موجودة لدى عدد من الاطباء
هذا التقسيم المبسط والبدائي للأخطاء الطبية هو مجرد مدخل, فالحقيقة أن المسئولية الطبية أكثر تعقيدا بعوامل اخرى مثل التجهيزات الطبية المتاحة وأعطال الأجهزة وكفاءة الخدمات المساعدة من تحاليل وأشعات وتمريض وفنيين, وهي مسئوليات تتداخل فيها جهات متعددة.
ما هو العلاج الناجع للحد من الاخطاء الطبية؟
بدون الدخول فى أبحاث ونظريات , فإن نظرة الى دول العالم المتقدم وكيف تغلبت على مثل هذه المشاكل, تهدي إلينا الكثير من الحلول, وهي تتلخص فيما يلى
١. تدريب الاطباء طبقا للمستويات العالمية ... وهذا يحتاج إلى أموال وجهد طويل المدى
٢. رفع مرتبات الأطباء حتى يتسنى للطبيب أن يركز فى مكان عمله بدلا من البحث عن فرصة عمل إضافي يشغله عن مرضاه فى مكانه الاصلي
٣. توفير الخدمات المساعدة التى سبق ذكرها ... وهذا يحتاج إلى المال والتدريب الكفء
٤. توفير الأجهزة والمعدات اللازمة لتقديم الخدمة للمرضى طبقا للمواصفات القياسية العالمية
٥. توفير آلية فاعلة ونافذة لمتابعة الأطباء ومعاقبة المخطئ ومكافأة المجتهد, فهذا يشعر الطبيب ان وراءه رقابة وحساب ان أخطأ, مما يدعوه الى الحرص والاتقان ومحاولة تقديم افضل ما عنده
٦. التأمين ضد أخطاء المهنة. هذه النقطة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنقطة السابقة, فمما لا شك فيه أن توفير الأمان للطبيب يساعده في مهمته لتقديم أفضل خدمة ممكنة للمريض. وعلى سبيل المثال فإن الطبيب قد يحجم عن إجراء جراحة للمريض إذا ما شعر أن هناك عقوبة ما قد توقع عليه ان أخطأ. التأمين يساعد الطبيب على اتخاذ قرارات طبية بناء على معطيات طبية بحت , دون الدخول فى حسابات اقتصادية, مما يساعد على اتخاذ القرار الذي يصب فى مصلحة المريض